فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا} يعني: ما ينفق في الجهاد يحسبه غُرْمًا، {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر}، يعني: ينتظر بكم الموت، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم خاصة.
وقال القتبي: الدوائر، دوائر الزمان، وهي صروفه التي تأتيه مرة بالخير ومرة بالشر.
يقول الله تعالى: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء}، يعني: عاقبة السوء والهلاك.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {دَائِرَةُ السوء} بضم السين، يعني: عاقبة المضرة والشر، وقرأ الباقون بالنصب.
يقال: رجل سوء، إذا كان خبيثًا.
وعن الفراء أنه قال: الفتح مصدر والضم اسم.
{والله سَمِيعٌ} لمقالتهم، {عَلِيمٌ} بهلاكهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا}
قال عطاء: لا يرجو على إعطائه ثوابًا ولا يخاف على إمساكه لها إنما ينفق خوفًا رياءً {وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} يعني صروف الزمان التي تأتي مرّة بالخير ومرّة بالشرّ.
قال: أن متى ينقلب الزمان عليكم فيموت الرسول ويظهر المشركون {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} قرأ ابن كثير وابن محصن ومجاهد وأبو عمرو بضم السين هاهنا وفي سورة الفتح، ومعناه الشر والضر والبلاء والمكروه، وقرأ الباقون على الفتح بالمصدر واختاره أبو عبيد وأبو حاتم في هذه الآية: {مِّنَ الأعراب} أسد وغطفان وتميم واعراب حاضري المدينة. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا}
فيه وجهان:
أحدهما: ما يدفع من الصدقات.
الثاني: ما ينفق في الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم مغرمًا، والمغرم التزام ما لا يلزم، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أي لازمًا، قال الشاعر:
فَمَا لَكَ مَسْلُوبَ العَزَاءِ كَأَنَّمَا ** تَرَى هَجْرَ لَيْلَى مَغْرَمًا أَنْتَ غارِمُهُ

{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ} جمع دائرة وهي انقلاب النعمة إلى ضدها، مأخوذة من الدور ويحتمل تربصهم الدوائر وجهين:
أحدهما: في إعلان الكفر والعصيان.
والثاني: في انتهاز الفرصة بالانتقام.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} رد لما أضمروا وجزاء لما مكروا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا} هذا نص من المنافقين منهم، ومعنى {يتخذ} في هذه الآيات أي يجعل مقصده ولا ينوي فيه غير ذلك، وأصل المغرم الدين، ومنه تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغرم والمأثم، ولكن كثر استعمال المغرم فيما يؤديه الإنسان مما لا يلزمه بحق، وفي اللفظ معنى اللزوم، ومنه قوله تعالى: {إن عذابها كان غرامًا} [الفرقان: 65] أي مكروهًا لازمًا، و{الدوائر} المصائب التي لا مخلص للإنسان منها فهي تحيط به كما تحيط الدائرة، وقد يحتمل أن تشتق من دور الزمان، والمعنى ينتظر بكم ما تأتي به الأيام وتدور به، ثم قال على جهة الدعاء {عليهم دائرة السوء} وكل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز وجل فإنما هو بمعنى إيجاب الشيء، لأن الله لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته ومن هذا، {ويل لكل همزة لمزة} [الهمزة: 1] وللمطففين، فهي كلها أحكام تامة تضمنها خبره تعالى، وقرأ الجمهور من السبعة وغيرهم {دائرة السَّوء} بفتح السين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن واختلف عنه عاصم والاعمش بخلاف عنهما {دائرة السُّوء} بضم السين، واختلف عن ابن كثير، وقيل الفتح المصدر والضم الاسم، واختلف الناس فيهما وهو اختلاف يقرب بعضه من بعض والفتح في السين يقتضي وصف الدائرة بأنها سيئة، وقال أبو علي معنى الدائرة يقتضي معنى السوء فإنما هي إضافة بيان وتأكيد كما قالوا شمس النهار ولحيا رأسه.
قال القاضي أبو محمد: ولا يقال رجل سَوء بفتح السين، هذا قول أكثرهم وقد حكي رجل سُوء بضم السين وقد قال الشاعر [الفرزدق]: [الطويل]
وكنت كذئبِ السَّوْءِ لما رأى دمًا ** بصاحبه يومًا أحال على الدم

ولم يختلف القراء في فتح السين من قوله: {ما كان أبوك امرأ سوء} [مريم: 28]. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق} إذا خرج في الغزو، وقيل: ما يدفعه من الصدقة {مَغْرمًا} لأنه لا يرجو له ثوابًا.
قال ابن قتيبة: المغرم: هو الغُرم والخُسر.
وقال ابن فارس: الغُرم: ما يلزم أداؤه، والغرام: اللازم، وسمي الغريم لإلحاحه.
وقال غيره: الغرم: التزام ما لا يلزم.
قوله تعالى: {ويتربَّص} أي: وينتظر {بكم الدوائر} أي: دوائر الزمان بالمكروه، بالموت، أو القتل، أو الهزيمة.
وقيل: ينتظر موت الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهور المشركين.
قوله تعالى: {عليهم دائرة السوء} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو بضم السين.
وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: {السَّوء} بفتح السين؛ وكذلك قرؤوا في [سورة الفتح: 6]، والمعنى: عليهم يعود ما ينتظرونه لك من البلاء.
قال الفراء: وفتح السين من السَّوء هو وجه الكلام.
فمن فتح، أراد المصدر: من سُؤْتُه سَوْءًا ومَساءَةً.
ومن رفع السين، جعله اسمًا: كقولك عليهم دائرة البلاء والعذاب.
ولا يجوز ضم السين في قوله: {ما كان أبوكِ امرأ سوءٍ} [مريم: 28] ولا في قوله: {وظننتم ظن السَّوء} [الفتح: 12] لأنه ضدٌّ لقولك: رجُلُ صِدْق.
وليس للسوء هاهنا معنى في عذاب ولا بلاء، فيضم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ}
{مِن} في موضع رفع بالابتداء.
{مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا} مفعولان؛ والتقدير ينفقه، فحذفت الهاء لطول الاسم.
{مَغْرَمًا} معناه غرما وخسرانًا؛ وأصله لزوم الشيء؛ ومنه: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] أي لازمًا، أي يرون ما ينفقونه في جهاد وصدقة غرمًا ولا يرجون عليه ثوابًا.
{وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر} التربص الانتظار؛ وقد تقدّم.
والدوائر جمع دائرة، وهي الحالة المنقلبة عن النعمة إلى البلية، أي يجمعون إلى الجهل بالإنفاق سوء الدخلة وخبث القلب.
{عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السوء} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بضم السين هنا وفي الفتح، وفتحها الباقون.
وأجمعوا على فتح السين في قوله: {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْءٍ} [مريم: 28].
والفرق بينهما أن السُّوء بالضم المكروه.
قال الأخفش: أي عليهم دائرة الهزيمة والشر.
وقال الفراء: أي عليهم دائرة العذاب والبلاء.
قالا: ولا يجوز امرأ سوء بالضم؛ كما لا يقال: هو امرؤ عذاب ولا شر.
وحكي عن محمد بن يزيد قال: السَّوء بالفتح الرداءة.
قال سيبويه: مررت برجل صدقٍ، ومعناه برجل صلاحٍ.
وليس من صدق اللسان، ولو كان من صدق اللسان لما قلت: مررت بثوبِ صدقٍ.
ومررت برجل سَوْء ليس هو من سُؤْته، وإنما معناه مررت برجل فسادٍ.
وقال الفراء: السَّوء بالفتح مصدر سُؤْته سَوْءًا ومساءة وسوائية.
قال غيره: والفعل منه ساء يسوء.
والسُّوء بالضم اسم لا مصدر؛ وهو كقولك: عليهم دائرة البلاء والمكروه. اهـ.

.قال الخازن:

{ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا} يعني لا يرجو على إنفاقه ثوابًا ولا يخاف على إمساكه عقابًا إنما ينفق خوفًا أو رياء.
والمغرم: التزام ما لا يلزم.
والمعنى: أن من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة لأنه لا ينفق ذلك إلا خوفًا من المسلمين أو مرآة لهم ولم يرد بذلك الإنفاق وجه الله وثوابه {ويتربص} يعني: ينتظر {بكم الدوائر} يعني بالدوائر تقلب الزمان وصروفه التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر.
قال يمان بن رباب: يعني تقلب الزمان فيموت الرسول وتظهر المشركون {عليهم دائرة السوء} يعني: بل يتقلب عليهم الزمان ويدور السوء والبلاء والحزن بهم ولا يرون في محمد صلى الله عيله وسلم وأصحابه ودينه ما يسوءهم {والله سميع} يعني لأقوالهم {عليم} يعني بما يخفون في ضمائرهم من النفاق والغش وإرادة السوء للمؤمنين نزلت هذه الآية في أعراب أسد وغطفان. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرمًا ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم}
نزلت في أعراب أسد، وغطفان، وتميم، كانوا يتخذون ما يؤخذ منهم من الصدقات.
وقيل: من الزكاة، ولذلك قال بعضهم: ما هي إلا جزية أو قريبة من الجزية.
وقيل: كل نفقة لا تهواها أنفسهم وهي مطلوبة شرعًا، وهو ما ينفقه الرجل وليس يلزمه، لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء، لا لوجه الله تعالى وابتغاء المثوبة عنده.
فعل هذا المغرم إلزام ما لا يلزم.
وقيل: المغرم الغرم والخسر، وهو قول: ابن قتيبة، وقريب من الذي قبله.
وقال ابن فارس: المغرم ما لزم أصحابه والغرام اللازم، ومنه الغريم للزومه وإلحاحه.
والتربص: الانتظار.
والدوائر: هي المصائب التي لا مخلص منها، تحيط به كما تحيط الدائرة.
وقيل: تربص الدوائر هنا موت الرسول صلى الله عليه وسلم وظهور الشرك.
وقال الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها ** تطلق يومًا أو يموت حليلها

وتربص الدوائر ليخلصوا من إعياء النفقة، وقوله: {عليهم دائرة السوء}، دعا معترض، دعاء عليهم بنسبة ما أخبر به عنهم كقوله: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم} والدعاء من الله هو بمعنى إنجاب الشيء، لأنه تعالى لا يدعو على مخلوقاته وهي في قبضته.
وقال الكرماني: عليهم تدور المصائب والحروب التي يتوقعونها على المسلمين، وهنا وعد للمسلمين وإخبار.
وقيل: دعاء أي: قولوا عليهم دائرة السوء أي المكروه، وحقيقة الدائرة ما تدور به الأيام.
وقيل: يدور به الفلك في سيره، والدوائر انقلاب النعمة إلى ضدها.
وفي الحجة يجوز أن تكون الدائرة مصدرًا كالعاقبة، ويجوز أن تكون صفة.
وقرأ ابن كثير وأبو عمر: والسوء هنا.
وفي سورة الفتح ثانية بالضم، وباقي السبعة بالفتح، فالفتح مصدر.
قال الفراء: سوأته سوأ ومساءة وسوائية، والضم الاسم وهو الشر والعذاب، والفتح ذم الدائرة وهو من باب إضافة الموصوف إلى صفته، وصفت الدائرة بالمصدر كما قالوا: رجل سوء في نقيض رجل صدق، يعنون في هذا الصلاح لا صدق اللسان، وفي ذلك الفساد.
ومنه {ما كان أبوك أمرأ سوء} أي أمرأً فاسدًا.
وقال المبرد: لسوء بالفتح الرداءة، ولا يجوز ضم السين في رجل سوء، قاله أكثرهم.
وقد حكي بالضم وقال الشاعر:
وكنت كذيب السوء لما رأى دما ** بصاحبه يومًا أحال على الدم

والله سميع لأقوالهم عليم بنياتهم. اهـ.